الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.مقتل أولاد بني نمى أمراء مكة من بني حسن. قد تقدم لنا استيلاء قتادة على مكة والحجاز من يد الهواشم واستقرارها لبنيه إلى أن استولى منهم أبو نمي وهو محمد بن أبي سعيد علي بن قتادة ثم توفي سنة اثنتين وسبعمائة وولي مكانه ابناه رميثة وخميصة واعتقلا أخويهما عطيفة وأبا الغيث ولما حج الأميران كافلا المملكة بيبرس وسلار هربا إليهما من مكان اعتقالهما وشكيا ما نالهما من رميثة وخميصة فأشكاهما الأميران واعتقلا رميثة وخمصية وأوصلاهما إلى مصر ووليا عطيفة وأبا الغيث وبعثا بهما إلى السلطان صحبة الأمير أيدمر الكوكبي الذي جاء بالعساكر معهما ثم رضي السلطان عنهما وولاهما مكان رميثة وخميصة وبعث معهما العساكر ثانيا سنة عشرة وفر رميثة وخميصة عن البلاد ورجع العسكر وأقام أبو الغيث وعطيفة فرجع إليهما رميثة وخميصة وتلاقوا فانهزم أبو الغيث وعطيفة فسارا إلى المدينة في جوار منصور بن حماد فأمدهما ببني عقبة وبني مهدي ورجع إلى حرب رميثة وخميصة فاقتتلوا ثانيا ببطن مرو فانهزم أبو الغيث وقتل واستمر رميثة وخميصة ولحق بهما أخوهما عطيفة وسار معهما ثم تشاجروا سنة خمس عشر ولحق رميثة بالسلطان مستعديا على أخويه فبعث معه العساكر ففر خميصة بعد أن استصفى أهل مكة وهرب إلى السبعة مدن ولحقته العساكر فاستلحق أله تلك المدن ولقيهم فانهزموا ونجا خميصة بنفسه ثم رجعت العساكر فرجع وبعث رميثة يستنجد السلطان فبعث إليه العساكر ففر خميصة ثم رجع واتفق مع أخويه رميثة وعطيفة ثم لحق عطيفة بالسلطان سنة ثمان عشرة وبعث معه العساكر فتقبضوا على رميثة وأوصلوه معتقلا فسجن بالقلعة واستقر عطيفة بمكة وبقي خميصة مشردا ثم لحق بملك التتر ملك العراق خربندا واستنجده على ملك الحجاز فانجده بالعساكر وشاع بين الناس أنه داخل الروافض الذين عند خربندا في إخراج الشيخين من قبريهما وعظم ذلك على الناس ولقبه محمد بن عيسى أخو مهنا حسبة وامتعاضا للدين وكان عند خربندا فاتبعه واعترضه وهزمه ويقال أنه أخذ منه المعاول والفؤس التي أعدوها لذلك وكان سببا لرضا السلطان عنه وجاء خميصة إلى مكة سنة ثماني عشرة وبعث الناصر العساكر إليه فهرب وتركها ثم أطلق رميثة سنة تسع عشرة فهرب إلى الحجاز ومعه وزيره على بن هنجس فرد من طريقه واعتقل وأفرج عنه السلطان بعد مرجعه من الحج سنة عشرين ثم إن خميصة استأمن السلطان سنة عشرين وكان معه جماعة من المماليك هربوا إليه فخاموا أن يحضروا معه إلى السلطان فاغتالوه وحضروا وكان السلطان قد أطلق رميثة من الاعتقال فأمكنه منهم فثأر من المباشر قتل أخيه وعفا عن الباقين ثم صرف السلطان رميثة إلى مكة وولاه مع أخيه عطيفة واستمرت حالهما ووفد عطيفة سنة إحدى وعشرين على الأبواب ومعه قتادة صاحب الينبع يطلب الصريخ على ابن عمه عقيل قاتل ولده فأجابه السلطان وجهز العساكر لصريخه وقوبل كل منهما بالأكراد وانصرفوا وفي سنة إحدى وثلاثين وقعت الفتنة بمكة وقتل العبيد جماعة من الأمراء والترك فبعث السلطان أيدغمش ومعه العساكر فهرب الشرفاء والعبيد وحضر رميثة وبذل الطاعة وحلف متبرئا مما وقع فقبل منه السلطان وعفا له عنها واستمرت حاله على ذلك إلى أن هلك سنة وتداولت الإمارة بين إبنيه عجلان وبقية ثم استبد عجلان كما نذكره في أخبارهم وورثتها بنوه لهذا العهد كما نذكره مرتبا في أخبارهم إن شاء الله تعالى..حج ملك التكرور. كان ملك السودان بصحراء المغرب في الإقليم الأول والثاني منقسما بين أمم من السودان أولهم مما يلي البحر المحيط أمة صوصو وكانوا مستولين على غانة ودخلوا في الإسلام أيام الفتح وذكر صاحب كتاب رجاز في الجغرافيا أن بني صالح من بني عبد الله بن الحسن بن الحسن كانت لهم بها دولة وملك عظيم ولم يقع لنا في تحقيق هذا الخبر أكثر من هذا وصالح من بني حسن مجهول وأهل غانة منكرون أن يكون عليهم ملك لأحد غير صوصو ثم يلي أمه صوصو أمة مالي من شرقهم وكرسي ملكهم بمدينة بني ثم من بعدهم شرقا عنهم أمة كوكو ثم التكرور بعدهم وفيما بينهم وبين النوبة أمة كانم وغيرها وتحولت الأحوال باستمرار العصور فاستولى أهل مالي على ما وراءهم وبين أيديهم من بلاد صوصو وكوكو وآخر ما استولوا عليه بلاد التكرور واستفحل ملكهم إلى الغاية وأصبحت مدينتهم بني حاضرة بلاد السودان بالمغرب ودخلوا في دين الإسلام منذ حين من السنين وحج جماعة من ملوكهم وأول من حج منهم برمندار وسمعت في ضبطه من بعض فضلائهم برمند أنه وسبيله في الحج هي التي اقتفاها ملوكهم من بعده ثم حج منهم منساولي بن ماري بن ماري جاطة أيام الظاهر بيبرس وحج بعده منهم مولاهم صاكوره وكان تغلب على ملكهم وهو الذي افتتح مدينة كوكو ثم حج أيام الناصر وحج من بعده منهم منسا موسى حسبما ذلك مذكور في أخبارهم عند دول البربر عند ذكر صنهاجة ودولة لمتونة من شعوبهم ولما خرج منسا موسى من بلاد المغرب للحج سلك على طريق الصحراء وخرج عند الأهرام بمصر وأهدى إلى الناصر هدية حفيلة يقال أن فيها خمسين ألف دينار وأنزله بقصر عند القرافة الكبرى وأقطعه إياها ولقيه السلطان بمجلسه وحدثه ووصله وزوده وقرب إليه الخيل والهجن وبعث معه الأمراء يقومون بخدمته إلى أن قضى فرضه سنة أربع وعشرين ورجع فأصابته في طريقه بالحجاز نكبة تخلصه منها أجله وذلك أنه ضل في الطريق عن المحمل والركب وإنفرد بقومه عن العرب وهي كلها مجاهل لهم فلم يهتدوا إلى عمران ولا وقفوا على مورد وساروا على السمت إلى أن نفذوا عند السويس وهم يأكلون لحم الحيتان إذا وجدوها والأعراب تتخطفهم من أطرافهم إلى أن خلصوا ثم جدد السلطان له الكرامة ووسع له في الحباء وكان أعد لنفقته من بلاده فيما يقال مائة حمل من التبر في كل حمل ثلاثة قناطير فنفذت كلها وأعجزته النفقة فاقترض من أعيان التجار وكان في صحبته منهم بنو الكويك فاقرضوه خمسين ألف دينار وابتاع منهم القصر الذي أقطعه السلطان وأمضى له ذلك وبعث سراج الدين بن الكويك معه وزيره يرد له منه ما أقرضه من المال فهلك هنالك وأتبعه سراج الدين آخرا بإبنه فمات هنالك وجاء ابنه فخر الدين أبو جعفر بالبعض وهلك منسا موسى قبل وفاته فلم يظفروا منه بشيء انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.
|